الأندلس سقطت.. حين ظهرت القينات والمعازف | موقع بصائر GuidePedia

0

الحديث عن الأندلس ذو شجون، فكل تلك الأمجاد والانتصارات والإنجازات التي حققها أجدادنا بعد أن قدموا تضحيات جليلة بفضل الله ونصره، إذ بها تتبخر فجأة في لحظة فاصلة كان لها ما بعدها من تداعيات مست استقرار كامل جسد الأمة، وأحدثت جرحا عميقا في الذاكرة الإسلامية.
فما الذي حصل حتى انهارت الدولة الأندلسية العملاقة في مدة وجيزة؟
وكيف انحسر المد الإسلامي بغتة عن أوربا بعد أن طوقها من الشرق والغرب؟
الإجابة عن أحد السؤالين استغرقت من المؤرخين مصنفات وأسفارا ضخمة، لكننا هنا سنحاول تسليط الضوء على بعض المظاهر التي سبقت السقوط، لعلها تكون عبرة للأحفاد.
كان انتشار الغناء والموشحات في مقابل انحسار مجالس العلم وحلقات الذكر، وظهور القينات (المغنيات) حين ماتت النخوة أو كادت، وشيوع ألوان من المعاصي والموبقات بعد تفشي شرب الخمور، كان ذلك من أهم أسباب سقوط الأندلس؛ إذ نتج عن ذلك تفكك البنية الاجتماعية في معظم النسيج الأندلسي، فدب الوهن في المجتمع، ما أسفر عن انهيار مؤسسات الدولة، فدخلت جحافل الكفر إلى الجسد المسلم بعد أن أدى إسراف أبنائه في الذنوب إلى إنهاك مناعته.
فلا جرم أن يسقط كيان قد نخرته الأسقام، وأفسدته الأهواء، فهو وإن كان ظاهره يوحي بالنضارة والفتوة، فداخله يتآكل في الخفاء، ويبقى هيكله الخارجي خادعا مبهرا، حتى إذا حل أجله تبين المحيطون به أن لو كانوا يعلمون الغيب ما خدعهم مظهره الخارجي؛ كذلك مثل الأندلس، فعمرانها مازال قائما إلى يومنا، لكن فساد دين وأخلاق معمريها أحل بهم الهلاك، فقيام الحضارات بصلاح البشر، لا بالإسمنت والحجر..
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ::: فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
يذكر المؤرخون أن انتشار الغناء والمجون في المجالس والنوادي في المجتمع الأندلسي قبيل السقوط أشاع جوا من الميوعة والتخنث لدى الرجال، فذهبت مروءة أكثرهم، وصار همهم إشباع شهواتهم، فخارت الهمم وانتحرت العزائم؛ فلما طرق الصليبيون أبواب الأندلس ألفوها مفتوحة والحراس سكارى بعد ليالٍ حمراء.. ولنا أن نتصور الذل والعار الذي ألحقه الإفرنج بأهل الأندلس.. إنها عاقبة العصيان ومآل الإعراض عن شرع الرحمن.
واليوم يعيد الأحفاد نفس الأخطاء..
في المغرب والجزائر، وهي المنطقة التي فر إليها ما تبقى من الأندلسيين الناجين من محاكم التفتيش، ظهرت فرق موسيقية متخصصة في "الطرب الأندلسي" و"طرب الملحون" و"الطرب الغرناطي" و"فن السماع والمديح"، ظهرت لتكمل ما بدأه الأندلسيون من لعب ولهو انتهى بدموع ومأساة..
وكأن هؤلاء المخذولين يطربون ويمرحون على أطلال قصور قرطبة وقلاع إشبيلية، ويرقصون على جماجم ساكنيها، ويباركون ما
آل إليه مجد أسلافهم!
وكأنهم ما اعتبروا ولا اتعظوا بدروس التاريخ.. ففي هؤلاء يقول الحق عز وجل: {قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون (101) فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين (102) ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين (103)} [يونس].


فلنكف عن التباكي على الأندلس ما دمنا لم نبذل لأجلها شيئا، فما أُخِذ منا بالحديد والنار لن نستعيده بالأحلام والأماني، وما دمنا لم ننصر ديننا حقا وصدقا فلا سبيل لنا للعزة، فتلك طريقها تُشق بسواعد أهل المروءة والدين، وبذل الدماء والأرواح مفتاح التمكين.. {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40)} [الحج].
بقلم المشرف/ مصطفى الونسافي


إرسال تعليق Blogger

 
Top