حادثة إحراق الكساسبة.. قراءة في التداعيات | موقع بصائر GuidePedia

0


مصطفى الونسافي

لم تكن عملية إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، التي تم تصويرها بتقنيات عالية وبمواصفات هوليودية، لتمر دون أن تخلف وراءها زوبعة إعلامية وجدلا سياسيا، فضلا عن السجال الديني الذي أشعلته، ومحاولة كثير من النخب العلمانية في العالم العربي الركوب عليها لإسماع المسلمين مرة أخرى تلك الأسطوانة البائسة التي تحاول إلصاق الإرهاب بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
غير أن أكثر ما يدعو للوقوف والتأمل في هذه الحادثة البشعة هو أبعادها الإقليمية وتداعياتها على المنطقة برمتها، وأيضا الطريقة التي تم بها تناول الواقعة في المنابر الإعلامية الدولية والمحلية، حيث تم التركيز على شناعة الفعل -وهو كذلك بلا شك- وأقام البعض الدنيا من أجل إحراق مواطن أردني هو عنصر في تحالف عسكري غربي ثبت حتى الآن أن بنك أهدافه يشمل المدنيين السوريين علاوة على الفصائل المسلحة المعتدلة التي تقاتل النظام المجرم المستبيح لدماء شعبه منذ ما يقرب من أربع سنوات، بيد أن المجازر اليومية والمحارق الفظيعة التي تقترفها المليشيات النصيرية والشيعية بحق آلاف الأطفال والنساء لا تثير على ما يبدو حفيظة المجتمع الدولي بكل منظماته وهيئاته، فالأهم والأخطر عند هؤلاء هو ما يدّعونه من تقاطر الجهاديين من جميع أنحاء العالم إلى سوريا، بينما تغض واشنطن وحلفاؤها الطرف عن حشود المرتزقة الذين تدربهم وتمولهم وترسلهم إيران لذبح السوريين.
ثم أين كان هذا الإعلام المنافق حين أحرق مستوطنون يهود في يوليوز من العام الماضي الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير بنفس طريقة إحراق معاذ الكساسبة أو أشد؟؟ وأين هذا الإعلام اليوم من الجريمة البشعة التي اقترفها إرهابي أمريكي بحق ثلاثة طلبة مسلمين بكارولينا الشمالية؟ أم أن سياسة الكيل بمكيالين توجه هذا الإعلام إلى تسليط الضوء على حوادث كثيرة، قد تختلف معالمها وحيثياتها في كل شيء، إلا أنها تتحد دائما في مسلك الإساءة للإسلام والمسلمين؟!
كنا قد أشرنا في مقال سابق، عنوانه «تحالف دولي.. لضرب داعش أم لإجهاض الثورة؟» (منشور بجريدة السبيل المغربية، العدد: 176) إلى كون الغرب أدرك حتمية اندحار العصابة النصيرية التي تعتبر من أقوى حلفائه بالمنطقة، ومن أهم القوى الحامية والحارسة لحدود الصهاينة، ومن ثم فإن الإبقاء على هذا الحليف المخلص يستدعي وضع مخطط محكم وعلى درجة كبيرة من التعقيد بحيث يصعب كشف خيوطه، ويكون دور المخطط هو إنقاذ آل الأسد، أو على الأقل إبقاؤهم إلى أطول مدى ممكن ريثما يتم إيجاد من يخلفهم من عناصر المعارضة الكرتونية التي تمارس الثورة بالكافيار في فنادق الخمس نجوم.
«عش الدبابير» هو المخطط الذي نتحدث عنه، وكان العميل الأمريكي الهارب «إدوارد سنودن» قد سرب بعض المعطيات الحساسة حول هذا المخطط، حيث تشير التسريبات التي نشرها موقع «ذي إنترسيبت» إلى «تعاون أجهزة مخابرات ثلاث دول، هي الولايات المتحدة، وبريطانيا، والكيان الصهيوني، لإنشاء تنظيم إرهابي قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد، في عملية يرمز لها بـ"عش الدبابير"».
غير أن هناك ما أجهض هذا المخطط الغربي القذر، وهو استماتة الشعب السوري وإصراره على إكمال ثورته، والتفافه حول قادة الثورة الحقيقيين، الذين يقارعون عصابات إيران في شوارع دمشق وحمص وحلب وغيرها، بيد أن كل نخب المعارضة المخملية لم ينجحوا حتى الآن في كسب ثقة السوريين، مثلما فشل تنظيم الدولة في ذلك بسبب توجيه أتباعه السلاح إلى الثوار.
وبالعودة إلى صلب الموضوع وهو حادثة الحرق، فإن سؤالا مُلِحا يصر على تصدر المشهد: لماذا تعمد عناصر تنظيم الدولة إحراق الكساسبة بهذه الطريقة الوحشية والمرعبة، ولم يفعلوا الأمر نفسه مع عناصر الشبيحة ومرتزقة إيران؟
نكاد نجزم بأن طريقة الإعدام بتلك الصورة هدفها هو إثارة غضب العشائر الأردنية وإيغار صدور أبنائها ودفعهم للثأر، بعد أن كانوا مناصرين للشعب السوري وحاضنة شعبية له تسانده بالدعم المعنوي المتمثل في موقفها المناوئ لعصابة الأسد وحلفائه، والدعم المادي الكبير الذي يحظى به اللاجئون؛ وقبل ذلك فإن في العملية المرعبة استفزازا للنظام الأردني وسعيا واضحا لجره إلى الدخول في حرب برية لن تقتصر على تنظيم الدولة مثلما لم تقتصر الطلعات الجوية للتحالف على قصف معاقل عصابة البغدادي، حيث يؤكد كثير من ناشطي الثورة وإعلامييها أن المتضرر الأكبر من غارات التحالف هي الفصائل الإسلامية المعتدلة، وأن الأخيرة أصبحت تقاتل على ثلاث جبهات: جبهة النظام ومليشياته اللبنانية والعراقية والإيرانية، وجبهة تنظيم الدولة الذي يكفر هذه الفصائل ويعتبرها صحوات، وأخيرا جبهة التحالف الذي تشترك فيه قوات عربية تدعي دولها أنها مناصرة لثورة السوريين.
حسابات متشابكة وتقاطع للمصالح بين قوى عالمية لا يهمها في الصراع دماء المسلمين ولو سالت لسنوات أخرى، غير أن يقيننا أن ثورة الشام منصورة لا محالة، لأن الصادق المصدوق قال فيما صح عنه إن الله قد تكفل بالشام وأهله، ولأن كل الوقائع والمؤشرات على الأرض تبشر أهل الشام والأمة جميعا بنصر مؤزر وفتح مبين.. {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}.

إرسال تعليق Blogger

 
Top